لا رهبانية في الإسلام
وقف الإسلام دون إرخاء العنان لغريزة الجنس لتنطلق بغير حدود ولا قيود. ولذلك حرم الزنى وما يفضي إليه وما يلحق به.
ولكنه إلى جانب ذلك قاوم النزعة المضادة لذلكذلك دعا إلى الزواج، ونهى عن التبتل.. نزعة مصادمة الغريزة وكبتها، ومن أجل والخصاء.
فلا يحل للمسلم أن يعرض عن الزواج مع القدرة عليه بدعوى التبتل لله، أو التفرغ للعبادة والترهب والانقطاع عن الدنيا.
وقد لمح النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أصحابه شيئا من النزوع إلى هذه الوجهة الرهبانية، فأعلن أن هذا انحراف عن نهج الإسلام، وإعراض عن سنته عليه الصلاة والسلام، وبذلك طارد تلك الأفكار النصرانية من البيئة الإسلامية. فعن أبي قلابة قال: أراد أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد؛ وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الأديار والصوامع، فاعبدوا الله ولا تشركوا به، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم".قال ونزلت فيهم الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) سورة المائدة:87.
وعن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت الآية السابقة والتي بعدها.
وروى البخاري وغيره أن رهطا من الصحابة ذهبوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون أزواجه عن عبادته، فلما أخبروه بها كأنهم تقالوها -أي: اعتبروها قليلة- ثم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر فلا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل فلا أنام، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم خطأهم وعوج طريقهم وقال لهم: "إنما أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال سعد بن أبي وقاص: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا".
ووجه عليه السلام نداءه إلى الشباب عامة فقال: "يا معشر الشباب!من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج".
ومن هنا قال بعض العلماء: إن الزواج فريضة على المسلم لا يحل له تركه ما دام قادرا عليه. وقيده غيرهم بمن كان تائقا إليه، خائفا على نفسه.
ولا يليق بالمسلم أن يصد نفسه عن الزواج خشية ضيق الرزق عليه أو ثقل المسئولية على عاتقه وعليه أن يحاول ويسعى وينتظر فضل الله ومعونته التي وعد بها المتزوجين الذين يرغبون في العفاف والإحصان. قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) سورة النور:32. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف. والمكاتب الذي يريد الأداء -أي العبد الذي يريد أن يحرر رقبته ببذل مقدار من المال يكاتب عليه سيده- والغازي في سبيل الله".